إنه يوم عاصف جداً في قبرص. أنا أنظر خارجاً نحو البحر وأشاهد بعض الرياح وبعض المتزلجين بالطائرات الورقية على المياه الزرقاء للبحر الأبيض المتوسط. الجميع يتحرك جيئة وذهاباً بنفس الانحدار مع اتجاه الريح التي تعطيهم الوجهة والسرعة, مع ظهور مطبات متقطعة على الأمواج هنا وهناك. إن أسهل طريقة لمعرفة اتجاه الريح هي بمراقبة اتجاه الفقاعات على السطح واتجاه الأمواج نفسها. كل شيء يبدو طبيعياً, فالناس يستمتعون بوقتهم ويعرفون إلى أين يتجهون وكيف يعودون إلى الشاطئ. يبدو بعضهم محترفاً أكثر, بينما البعض الآخر مجرد مبتدئين ويريدون أن يصبحوا محترفين. هناك نوع من النظام والانسيابية في هذه التركيبة.
في صناعة الفوركس الأوروبية بالتجزئة يكون النظام والاستقرار أقل بسبب التغييرات التنظيمية المستمرة. ففي الوقت الراهن تصطدم هذه الصناعة بلوائح وقيود وعوائق جديدة كل اسبوع تقريباً. فقد تُجري في اليوم الأول مقابلة لمنصب مطور أعمال في فرنسا لتدرك في اليوم التالي أنه لا يمكن تأسيس أي عمل هناك على الإطلاق. وبعد وقت قصير تدرك أن نفس الأمر ينطبق على بلجيكا, اسبانيا, تركيا, ايرلندا, ...
الأمر يشبه خروجك مع أصدقائك للعب كرة القدم, وبعد 5 دقائق تتحول اللعبة فجأة إلى الهوكي, ثم التنس لتفقد تركيزك تماماً في نهاية المطاف. كيف يمكن للمرء اتخاذ قرارات استراتيجية ضمن بيئة كهذه؟
في الوقت الحالي جميعنا ينتظر سلطة السلوك المالية في المملكة المتحدة FCA لتقرر إذا وكيف ومتى ولمن سينفذون التغييرات بخصوص الحد الأقصى المسموح للرافعة المالية وبعض الجوانب الهامة الأخرى لتجارة الفوركس وعقود الفروقات بالتجزئة. لن يؤثر قرار سلطة السلوك المالية في المملكة المتحدة على الوسطاء البريطانيين والأوروبيين فحسب, بل سيؤثر في النهاية على الأسواق الأخرى أيضاً, لأن الجهات الرقابية الأخرى تميل إلى اتباع المبادئ التوجيهية لسلطة السلوك المالية FCA.
على مدى الاسبوعين الماضيين رأينا الكثير من الوسطاء المرخصين من الهيئة القبرصية للأوراق المالية والبورصة CySEC يخفضون الحد الأقصى للرافعة المالية على عملاء التجزئة ذوي الخبرة من 1:500 إلى نطاق 1:200 حتى 1:300. والوسطاء الذين ما زالوا يوفرون رافعة 1:500 قاموا بإزالة هذه المعلومات من صفحتهم الرئيسية. لكن هذا أمر جيد عموماً لأنه يحدٌّ من الاهتمام المفرط للعملاء الصغار غير المحترفين.
ما نوع الرافعة المالية التي يريدها فعلاً متداولو الفوركس بالتجزئة؟
حين كنا نتداول بكثافة في سوق السلع الآجلة والخيارات كانت الرافعة المالية المتاحة غالباً بين 1:15 إلى 1:30 . أتذكر حين انتقلنا قبل 7 سنوات إلى مجال وساطة الفوركس, حينها استغرق مني الأمر بعض الوقت لأدرك فعلاً ما الذي تعنيه رافعة مالية بمقدار 1:500. واليوم تراودني مشاعر مماثلة حين أفكر فيما يمكن بعد نهاية الكون.
أظهر بحث سريع قمت به هذا الأسبوع حول بعض أكبر وسطاء الفوركس الأوروبيون بالتجزئة أن أكثر من 90% من حسابات التداول بالتجزئة تتمتع بأقصى رافعة مالية متاحة من قبل الوسيط (في معظم الحالات 1:400 إلى 1:500). وفي أغلب الحالات التي تكون فيها الرافعة المالية الافتراضية الأولية المحددة من قبل الوسيط تساوي 1:50 فإن العملاء يستمرون بطلب زيادتها إلى الحد الأقصى.
يمكنك أن تشعر بحالة الإحباط الشديد لدى متداولي التجزئة في شركات الوساطة المرخصة أوروبياً بسبب التغيرات المستمرة في سياسة الرافعة المالية وغيرها من الشروط. وهذا يؤثر أيضاً بشكل سلبي على ربحية العملاء لأنهم سيضطرون باستمرار لتعديل نهج إدارة للمخاطر واستراتيجيات التداول الخاصة بهم. فالأمر يسبب إجهاداً لهم.
إن المنطق من وجهة نظر العملاء لطلب رافعة أعلى هو أنهم يريدون زيادة أرباحهم المحتملة. يمتلك معظم متداولي الفوركس بالتجزئة رأس مال محدود للاستثمار وهذا يعني في كثير من الحالات أنهم غير قادرين على تلبية عتبة الحد الأدنى من الإيداع لدى وسطاء الأسهم والعقود الآجلة والخيارات الكبار. لذا لم يتبقى لهم سوى وسطاء الفوركس وعقود الفروقات الذين يوفرون الرافعة المالية ويكون الحد الأدنى للإيداع لديهم منخفضاً عموماً, لكنهم قد يعرضون أنفسهم للتداول بمراكز أكبر وبالتالي تحقيق أرباح ضخمة إذا كانت قراراتهم صحيحة. بالطبع لا يستطيع الكثير من الناس اتخاذ القرارات الصحيحة على المدى الطويل لكن هذه الحقيقة لا تنطبق على متداولي الفوركس بالتجزئة فحسب, بل تنطبق أيضاً على متداولي الأسهم والعقود الآجلة وعقود الخيارات. إن الأسواق معقدة والتداول هو من أصعب الوظائف.
نظراً لأن مجال وساطة الفوركس بالتجزئة من أكثر المجالات تنافسية في القطاع المالي, حيث يوجد حول العالم ما بين 3 – 4000 وسيط يتنافسون عبر الحدود على نفس العميل, فمن الواضح أن الوسطاء يريدون توفير الرافعة التي يطالب بها العملاء. لم أرى أي وسيط مرخص أوروبياً يجبر العملاء على اختيار رافعة مالية عالية – الأمر بمحض إرادتهم.حين تدمج الجهل مع الرافعة المالية, ستحصل على بعض النتائج المثيرة للاهتمام. Warren Buffetحين كنا ندير وساطة الفوركس بالتجزئة في شركة Armada Markets حصلت معنا حادثة معينة تتبادر إلى ذهني. في اكتوبر 2014, قررنا أن نخفض بدرجة كبيرة الحد الأقصى للرافعة المالية على جميع أزواج الفرنك السويسري. كان ذلك قبل 3 أشهر من الانهيار الكبير flash crash لزوج EUR/CHF . وكان لدى عملائنا حوالي 400 لوت من صفقات الشراء المفتوحة على زوج EUR/CHF لوحده, والتي كانوا محتفظين بها منذ عدة شهور بسبب مستوى "الأرضية" 1,2000 الذي كان محمياً بقوة من قبل البنك الوطني السويسري SNB . بعد تخفيضنا للرافعة المالية تم إغلاق 95% من هذه المراكز من قبل العملاء وتركوا الشركة. ومن المثير للاهتمام أنه بمجرد إلغاء مستوى "الأرضية" لزوج EUR/CHF وانهيار الزوج, اكتشف جميع هؤلاء العملاء أننا أنقذناهم فعلياً من خسائر هائلة ليعودا إلينا في نهاية المطاف.
في اللحظة التي يخفض فيها الوسيط بدرجة كبيرة الحد الأقصى للرافعة المالية المتاحة فإنه يخسر بعضاً من عملائه, والعملاء الذين يبقون سيتداولون بحجم أقل لأنهم لا يصبحون قادرين سوى على فتح مراكز أصغر.
في فبراير 2017 قام مجلس أسواق المال في تركيا, المنظم التركي, بتخفيض الحد الأقصى للرافعة المالية المتاحة لعملاء التجزئة الصغار إلى 1:10 . وقد قام بذلك دون إجراء مناقشات مستفيضة مع المشاركين في السوق المحلية التي توظف ما يقرب من 6-7000 شخص في تركيا. والآن أغلق بعض الوسطاء الأتراك أعمالهم, أما العملاء الأتراك الذين كانوا يتمتعون سابقاً بخدمات الوسطاء المحليين الخاضعين للجهة التنظيمية المحلية, قاموا بنقل أرصدتهم من البنوك التركية إلى حسابات بنكية لوسطاء أجانب حيث يمكنهم التمتع بنفس الحد الأقصى من الرافعة المالية التي كانت لديهم سابقاً في تركيا. لذا باختصار, فقد الوسطاء الأتراك أعمالهم, وفقد العملاء الأتراك الدعم المحلي والحماية التنظيمية المحلية, في الوقت الذي سيخبرك فيه جميع الوسطاء العالميين الكبار أن أعمالهم نمت بشكل ملحوظ في الوسط التركي خلال الأشهر الأخيرة. وما زلت لا أستطيع أن أفهم المنطق الكامن وراء الخطوة التي قام بها المنظم التركي. لكني سأستمر بالمحاولة.
ما هو التخفيض الكبير في الرافعة المالية؟
إن عملاء ووسطاء التجزئة ليسوا حساسين بشكل مفرط للتغيرات المعتدلة على الرافعة المالية, فالعميل الذي كان يمتلك سابقاً رافعة مالية 1:500 يمكنه أن يقبل أيضاً برافعة مالية من 1:200 إلى 1:300 إذا كان لديه علاقة طويلة الأمد مع وسيطه ويحب جودة الخدمة عموماً. وكونه سيعرّض نفسه لمخاطر أقل فإن هناك احتمالاً بأن دورة حياته التجارية وبالتالي الوقت الذي سيحصل عليه لاكتساب المزيد من الخبرة سيكون أطول. وهكذا ستزيد فرصته بأن يصبح عميلاً ناجحاً. والجميع يفوز.
هناك مصطلح رئيسي مفيد تجدر الإشارة إليه هنا وهو "العلاقة طويلة الأمد". يصبح العملاء ملاصقين (مخلصين) كلما كانت الخدمة أفضل كلما طالت العلاقة مع الوسيط. الوسطاء الذين قدّموا حتى الآن مكافآت كبيرة على الإيداعات, أوالذين ينفقون أموال كثيرة على الحملات التسويقية, أو أنهم ببساطة جشعين كانوا يقدمون خدمات سيئة الجودة (سبريد أوسع, تنفيذ أبطء, عمولات أعلى, سرعة أقل في معالجة عمليات السحب, طرح منتجات أقل, إلخ). ومع خدمة كهذه لم يكونوا قادرين على بناء قاعدة عملاء مخلصين على المدى الطويل.
كما أننا جميعاً نعرف بأنه تم حظر المكافآت مؤخراً في الأسواق المنظمة, لذا فالعامل التحفيزي الرئيسي لبقاء هؤلاء العملاء مع أولئك الوسطاء قد ذهب. وهذا الأمر ضرب بقوة وسطاء الخيارات الثنائية المنظمين. ما الذي سيحدث الآن حين سيتم التخفيض التدريجي للحد الأقصى للرافعة المالية المسموحة في أوروبا على جميع منتجات الفوركس وعقود الفروقات؟
أنا افترض أنه في حال تخفيض الحد الأقصى للرافعة المالية المسموحة في أوروبا إلى نطاق 1:200 حتى 1:300 فإن وسطاء الفوركس الأقوى الذين يتميزون بخدمات ذات جودة عالية وقاعدة رأسمالية قوية سيحققون نمواً فعلياً في أعمالهم خلال السنوات القادمة, والذي لن يعوض فقط عن التراجع القصير الأمد في الإيرادات جراء تخفيض الرافعة المالية, لكنهم على الأرجح سيصبحون حتى أكبر مما هم عليه اليوم.
ابحث عن الوسطاء الذين يتمتعون بالسمعة الحسنة وقاعدة مالية قوية اليوم وستكون في أمان معهم كعميل , أو كموظف, أو كشريك تجاري. سيناريو الرافعة المالية المذكور أعلاه يمثل حالة مربحة لجميع الأطراف "رابح - رابح – رابح". للوسطاء المسؤولين الذين يملكون وجهة نظر بعيدة المدى, وللعملاء الذين سيحصلون على دورة حياة تجارية أطول ومخاطر أقل, وأيضاً للمنظمين لأن الوسطاء الأقوياء والمتوافقين تماماً مع التنظيمات هم فقط من سيبقون على الساحة. خلاصة القول أنه خلال السنوات القادمة سنرى أن صناعة وساطة الفوركس وعقود الفروقات بالتجزئة ستصبح أكثر نضجاً ومع لاعبين أقل.
الآن, إذا قام المنظمون الأوروبيون, وخاصة سلطة السلوك المالية في المملكة المتحدة FCA , بتخفيض الحد الأقصى للرافعة المالية المتاحة لعملاء التجزئة إلى نطاق 1:50 حتى 1:100, فإن 70% إلى 80% من وسطاء الفوركس وعقود الفروقات الحاليين, الصغار والمتوسطين المرخصين أوروبياً سيصبحون عاطلين عن العمل في غضون ال 12 إلى 24 شهراً القادمة. وهذا أمر يجب على المنظمين أن يضعوه في الاعتبار لأن هناك مخاطر مالية كبيرة أيضاً على العملاء النهائيين الذين يحاول المنظمون حمايتهم, فالتحولات المفاجئة في الرافعة ستكون ذات تأثير مفاجئ على ربحية جميع المشاركين في السوق وهذا قد يجعل البعض يواجه مشاكل الملاءة المالية. برأيي هذا هو أكثر خطر تم تجاهله من قبل المنظمين الأوروبيين وبالدرجة الأولى في بعض الأسواق الأوروبية حيث يكون التركيز كبيراً على الوسطاء وبالتالي على العملاء. في مقالتي الأخيرة كتبت عن زيادة أعداد الوسطاء الذين يلجأون إلى سوق الدمج والاستحواذ M&A لبيع أنفسهم بشكل تام أو لإيجاد مستثمرين استراتيجيين. وقد زادت هذه العملية بكثافة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
أنصح الجميع بإلقاء نظرة على ما حدث في بولندا بعد يوليو 2015 عندما تم تخفيض الحد الأقصى للرافعة المالية المسموح بها من 1:500 إلى 1:100. حيث قرر بعض الوسطاء المحليين ترك هذه الصناعة بينما شهد باقي الوسطاء البولنديون تراجعاً كبيراً في الإيرادات. بعض هذه البيانات متاحة للجمهور. الكثير من العملاء البولنديين انتقلوا من الوسطاء البولنديين إلى وسطاء في الخارج.
إذا تحقق السيناريو وأصبحت الرافعة المالية القصوى في أوروبا من 1:50 إلى 1:100 فسوف يكون من الحكمة البحث عن وسطاء لديهم حالياً أعمال كبيرة خارج أوروبا, ويمتلكون أساساً أو ينوون التنويع بقوة في منتجات أخرى غير الفوركس. كما أعتقد بأن اللاعبين الأوروبيين الكبار الذين يمتلكون رأسمال ضخم سيبلون حسناً, على الرغم من أن تقليل بعض التكاليف سيكون ضرورياً للتكيّف مع التراجع القصير الأمد في الإيرادات.
من الصعب حقاً أن نتصور أن الكثير من وسطاء الفوركس العاديين سيكونون قادرين على التنويع وتقديم منتجات كالأسهم والعقود الآجلة والخيارات, كون هذه الأدوات يتم تداولها من قبل أشخاص مختلفين تماماً عن متداولي الفوركس العاديين, وهؤلاء الأشخاص يبحثون عن نمط خدمة مختلف تماماً من حيث المبيعات والتسويق ودعم العملاء وبالطبع الوجود الميداني في دولهم.
ترقبوا المزيد و تداولوا مع Tickmill !
إخلاء المسؤولية: المواد المقدمة هي لأغراض إعلامية فقط ولا ينبغي اعتبارها نصيحة استثمارية. الآراء أو المعلومات أو الآراء المعبر عنها في النص تخص المؤلف فقط ، وليس صاحب عمل المؤلف أو المنظمة أو اللجنة أو مجموعة أخرى أو فرد أو شركة.
الأداء السابق ليس مؤشرا على النتائج المستقبلية.
تحذير من المخاطر العالية: العقود مقابل الفروقات هي أدوات معقدة وتنطوي على مخاطر عالية لخسارة الأموال بسرعة بسبب الرافعة المالية. 75% و 75% من حسابات مستثمري التجزئة يخسرون أموالهم عند تداول العقود مقابل الفروقات مع Tickmill UK Ltd و Tickmill Europe Ltd على التوالي. يجب أن تفكر فيما إذا كنت تفهم كيفية عمل العقود مقابل الفروقات وما إذا كنت تستطيع تحمل مخاطر عالية تؤدي إلى فقدان أموالك.
العقود الآجلة والخيارات: يحمل تداول العقود الآجلة والخيارات على الهامش درجة عالية من المخاطر وقد يؤدي إلى خسائر تتجاوز استثمارك الأولي. هذه المنتجات ليست مناسبة لجميع المستثمرين. تأكد من فهمك الكامل للمخاطر واتخاذ القرارات المناسبة لإدارة المخاطر الخاصة بك
يتداول Illimar في الأسواق المالية منذ عام 1997, وهو مفتون بالفرص التي تقدمها هذه الأسواق للمتداولين. و كان قد بدأ الاستثمار في الأسواق الناشئة ثم انتقل تدريجياً إلى أسواق الأسهم الامريكية. وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة انصب تركيزه بالدرجة الأولى على الفوركس والسلع والسندات الحكومية الآجلة وأسواق الخيارات الآجلة في أمريكا.